مدخل ٣

89 21 6
                                    

وأخيراً، وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره، قال للمربية هوبكنز، بعد أن استجمع شتات نفسه، و أخذ نفسا عميقا: "أظن أن الوقت قد حان حتى نذهب لوالدي" 
نظرت إليه المربية وهي تفكر، 'كيف أن الدوق لم يأت ليرى ولده ولو لمرة واحدة خلال تلك السبع سنوات! بل ولم يرد  على أي من الرسائل التي أرسلها له سايمون؛ والذي أرسل له حتى الآن ما يقرب من مائة رسالة' .

سألته المربية: "هل أنت متأكد؟"

أومأ سايمون. فردت قائلة:
"حسنًا جدًا، في هذه الحالة. سأجهز العربة، لنغادر إلى لندن في الغد."

أخذت الرحلة يومين ونصف يوم، وفي وقت متأخر من بعد الظهيرة توقفت عربتهم أمام منزل (آل باسِت). نظر سايمون بدهشة من حوله، لقد كانت شوارع لندن مزدحمة ومختلفة كثيرا عن الطرقات في قرية كلايفدون.

قادته المربية هوبكنز لأعلى الدرج. وقد كانت هذه أول مرة يزوروا فيها منزل آل (باسِت)؛ لذا عندما وصلوا إلى الباب الأمامي لم تجد المربية أمامها حلاً سوى أن تطرقه.

فتح الباب في غضون ثوانٍ؛ ووجدوا أنفسهم أمام ما يبدو عليه أنه كبير الخدم في المنزل، فقد كان مهيبا  إلى حد ما. عندما رآهم؛ رمقهم بنظرة ازدراء، وقال:
- " توصيل الطلبات، يكون من الباب الخلفي." ومدّ يده ليغلق الباب.

قالت المربية بسرعة وهي تضع قدمها في الباب لتمنعه من إغلاقه: "انتظر هناك!"
ثم أكملت حانقة: "يا هذا، نحن لسنا خدماً."

نظر كبير الخدم إلى ردائها ثم رمقها بنظرة ازدراء وسخرية.
عندما لاحظت تلك النظرة أجابت مندفعة:
-"حسنًا، أنا كذلك، لكن ليس هو." ثم أمسكت بذراع سايمون ودفعته للأمام. وهي تقول بفخر:
-"هذا هو نبيل كلايفدون الصغير، ومن الأفضل لك أن تعامله باحترام."

فغر الرجل فاه، وهو يرمش بعينيه عدة مرات. قبل أن يقول: "على حد علمي أن نبيل كلايفدون قد مات."
صاحت المربية: "ماذا؟".
-"أنا بالتأكيد لست كذلك!". صاح سايمون بكل حدة وإباء يمكن أن تكون لصبيّ في الحادية عشرةَ من عمره.

حينها فقط تفحص الخادم سايمون؛ وأدرك بما لا يدع مجالا للشك أنه يحمل ملامح آل باسيت فأفسح لهم الطريق للدخول.

سأله سايمون: "لما ظننت أنني م-م-ميت؟" مؤنباً نفسه عقبَ ذلك على تلعثمه؛ ولكن لم يفاجئه هذا أبدا فدائما ما كان يتلعثم عندما يغضب...ولم يستطع أن يتخلص من هذا حتى الآن. فتحكمه في نفسه كان يضمحلّ إلى درجة العدم عندما يكون غاضبًا.

أجاب الخادم بخفوت :"لا أملك أن أتحدث بخصوص هذا الشأن"
فصاحت المربية بحدة : " حقا؟ اذا يمكنك فقط أن تقول شيء كهذا لصبيّ في الحاديةِ عشرة من عمره؛ من غير أن توضح له سببه!"

صمت الخادم للحظة ثم قال أخيرا:" سموّ الدوق لم يأت على ذكرك منذ عدة سنوات وكان آخر ما سمعته أنه قال أنّه ما عاد له ابن بعد! لقد كان الألم واضحا عليه لذا استنبطنا- نحن الخدم - من هذا أنك قد مِتّ"

شعر سايمون بعضلات فكه تنقبض وحنجرته تتحرك بشكل جنوني 
وبخته المربية قائلة: "أو لم يكن سيدخل في حداد إن كان هذا هو الحال؟ هل فكرت في هذا قبلا ؟ كيف تظن أن الولد قد مات وأبيه لم يدخل في حداد عليه؟"

هز الخادم كتفه قائلا " جلالته لا يلبس في العادة إلا الأسود؛ لذا لم يكن الحداد ليغير شيئا من طريقة لباسه"

قالت المربية هوبكنز بعدم تصديق: "هذا غير معقول!..غير معقول تماما؛ أطالبك بإحضار سموّه على الفور."

لم يقل سايمون شيئًا. فقد كان يحاول جاهدًا السيطرة على عواطفه. كان عليه ذلك. فلن يمكنه أن يتحدث مع والده من غير أن يخطئ في الحديث ودمه يغلي بهذه الطريقة. أومأ الخادم برأسه. "إنه في الطابق العلوي. سأنبهه فورًا بوصولكم."

أخذت المربية تقطع الغرفة ذهابا وإيابا بعصبية، متذمرة بصوت خفيض، وهي تسبّ الدوق بكل سبابٍ في قاموس مفرداتها اللغوية؛ والذي كان واسعا بشكل مدهش.

ظل سايمون واقفا في وسط الغرفة، ضاماً قبضتيه إلى الجانبين، يحاول أن يأخذ نفسا عميقا بعد آخر؛ أخذ يردد في سره: "يمكنك أن تفعل هذا... يمكنك فعل هذا."

التفتت إليه المربية حينها، وعندما رأت أنه يحاول السيطرة على أعصابه، شهقت وهي تقول بسرعة: "نعم، هذا كل ما يجب عليك فعله". ثم جثت على ركبتيها وهي تأخذ يده بين يديها. فقد كانت تعرف أفضل من أي شخص آخر ما سيحدث إذا حاول سايمون مواجهة والده قبل أن يهدأ.

قالت بصوت حاولت أن يكون هادئا بقدر الإمكان: "خذ نفسا عميقا. وتأكد من التفكير في كلماتك قبل أن تتحدث. إذا كان بإمكانك التحكم في... "

قاطعها صوت متغطرسٌ قادمٌ من الجانب الآخر للغرفة: "أرى أنك ما زلتِ تدللينه!"

استقامت الممرضة هوبكنز واستدارت ببطء وهي تحاول أن تفكر في شيء مهذب لتقوله؛ لقد حاولت حقا  أن تفكر في شيء جيد من شأنه أن يخفف من حدة الموقف.

ولكن عندما نظرت إلى الدوق ورأت سايمون فيه، استعرّ غضبها كالنيران من جديد. فقد يبدو الدوق مثل ابنه تمامًا ظاهريا؛  ولكنه بالتأكيد لم يكن أبًا له.
فقالت باشمئزازٍ بدون أن تستطيع منع نفسها:
-"أنت يا سيدي...حقير".
-"وأنت، سيدتي، مطرودة."

عندما سمعت المربية ذلك تراجعت للخلف قليلا. فزمجر الدوق مكملاً:
"لا أحد "يتحدث إلى دوق (هاستينغز) بهذه الطريقة...لا أحد!"

حينها قال سايمون بصوت ساخر: "لا أحد؟ ...ولا حتى الملك؟".

عندما قال هذا، التفت إليه الدوق لأول مرة منذ أن دخل؛ ومن دون أن يلاحظ حتى أن ابنه كان يتحدث بطريقة سليمة، قال بصوت منخفض: " أهذا أنت؟" أومأ سيمون باقتضاب.
يتبع.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 10 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أنا والدوق ( الكتاب الأول من سلسلة "عائلة بريدجرتون" )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن