الفصلُ الأول - شرارةُ ماضٍ صاخب

607 8 1
                                    


أشعةُ الشمسِ تتخللُ النافذة مباشرةً نحوَ عينيّ لـتُعلِمني ببدايةِ يومٍ جديد .
يومٌ مهمٌ جداً ، اليوم .. فقط اليوم سأبدأ طريقاً مختلفة
اليومَ أنا سأُصبحُ .. ما قُدِّر لي .. اليومْ .
رفعتُ جسدي المُتعب مبتعداً عن السرير ،
حملتُ هاتفِي فَ رُسمتْ على شفتيّ ابتسامة دونَ أن اشعر ، كيف لا و أنا ارى أمامي صورةً لأجملِ سيدةٍ في الوجود !
امي ، سأجعلُك فخورة بي اليوم .. اعِدُك ،
فاجأني صوتُ بابِ غُرفتي يُطرق ، يبدو أنها " نانا " تظنَ أنّي مازلتُ أغطّ في نومٍ عميق ، في الحقيقة لم استطع النومَ جيداً .. يلازمني شعورٌ غريب هذه الأيام و احلامٌ أغرَب .
ليتكِ هُنا يا امي ، اعتدتُ أن اهرِب لحضنك عندما لا استطيعُ النوم .. فقط قليلاً .. انتظريني .
قاطع هذه الأحاديث الداخلية صوتُ نانا الدافئ ،
" عزيزي ماثيو ، أنتَ مُستيقظ إذَن ! لِمَ لَـمْ ترُدّ عليّ عندما كنتُ أُناديكَ من وراءِ الباب ؟ "
ابتسمتُ معتذراً ..
" لقد كنت شارداً ، تعرفين أن هذا اليومَ مهمٌ جداً لي .. اعتذرُ بشدة "
لامستْ راحةُ يدِ نانا وجنتيّ مما جعلَ الدم يتدفقُ الى وجهي ليصبح محمراً ..
" ستجعلُ كل من حولك فخورينَ بكَ صغيري "
ابتسمتُ مجيباً
" أرجو ذلك جدتي .."
كسرتُ ذلك الصمتَ بـسؤالي
" ماذا لدينا على الفطور ؟ "
تراجعَتْ للوراء وقالت بصوتٍ مرِح
" ستعرفُ عندما تتبعُني للأسفل "
بخطواتٍ ثابتة لحقتُ نانا للأسفلِ نحوَ قاعةِ الطعام لأتفاجئ ..
نظرت لي نانا " لقد أرادَ الانضمام إلينا على الفطور "
ابتسامةٌ صفراء خرجت رغماً عني ونظرتُ نحوهُ
" إذَن يا أبي .. ماسببُ هذه المناسبة السارة "
بدأ التكلمَ وهو في صدد تناولِ الطعام
" أردتُ التأكدَ من إعدادكَ للحفل الليلة ، وآلبرت و والدهُ كرِيس قادمان إلى هنا قريباً "
رفعتُ حاجبي الأيمنَ مستهزءاً
" ماهذا ؟ اجتماعُ الأصدقاء ؟ "
قهقه والديْ بدورهِ ثم رمقني بنظرة لم افهمها..
" كريس قد طرح هذه الفكرة لكي تكون الحراسة مُشددة للجميع ، و اظهار أن روابطنا مازالت قوية مع الإشاعات الأخيرة التي ظهرت سيفي بالغرض !
كما أن جُون و إبنتهُ سيأتون معنا ايضاً "
ابنته ؟ لا اذكر منها شيئاً لقد كنا أطفالاً في آخر لقاء لنا ، ما اذكرهُ هو شعرُها كستنائي اللون ..
--------------------------------------------
صوتُ مقطوعةِ بيتهوڤين - ضوءُ القمر ،
هي الشئُ الوحيدُ الذي يستطيعُ جعلي اتناسى رُهاب الطائرات الذي املكُه .
رغم ترحالي المتكررِ مازلتُ أعانيهِ ، لكنني اتعاملُ معهُ جيداً في الآونةِ الأخيرة .
أن تحبّ عيوبكَ أجملُ من أن تغيرها ، فـعندها لن تصبحَ عيوباً في نظرك .
وقع ناظري على طفلة تجري لكُرسيّ والدتها ثم ترتمي في حِضنها ، ابتسمتُ تلقائياً !
كم هي لطيفة ، اتسائل إن فعلتُ ذلك عندما كنا نسافر أنا و والدتي كثيراً ؟
أسندتُ رأسي للخلف مغمضةً عينيّ فالطائرة على وشكِ الهبوط .
اليوم ليس مهماً لي بقدر ما هو مهمٌ لأبي ، يجتاحني توترٌ مخيف .
بعد هبوط سيئ من قائد الطائرة ، نزلتُ الدرجَ وبجانبي الحرسُ يغمرني الدُوار الشديد .
رغِبتُ حقاً في التقيؤ ، لكني رفعتُ رأسي لأجد ابي في انتظاري .
ركضتُ نحوه محتضنةً إياهُ بـشدة ، لا اعلمُ إن كنتُ فعلت ذلك مع امي من قبل لكن ما أنا أكيدةٌ بشأنهِ أن حضن والدي أكثر الأماكنِ أمناً في العالم .
ظلّ طيلة الطريق يحدثني عن أهميةُ هذا اليومِ وكيف سنمضيه مع أصدقاءه الاثنان الذانِ لم ارهم منذ عزاءِ والدتي .
وفي وسطِ حديثنا سألني بإبتسامة مرحة ،
" كيف يبدو الفُستان المحظُوظ الذي اخترتهِ ليتجمّل بكِ لـحفلةِ اليوْم ؟"
جعلَ ذلكَ الدماء تتسارعُ للوصول لـ وجنتيّ لتحمرّ خجلاً ،
" إنه فستانٌ أسودُ اللونِ من الحريرِ الخالصْ "
رفع حاجبهُ مبتسماً بإعجابٍ ثم أردفَ
" في الحقيقة أردتُ إعطائكِ عقداً مميزاً لترتديه بهذه المناسبة "
ناولهُ الحارس الجالسُ في الكُرسي الأمامي صُندوقاً جلدياً أحمر اللون ، كان به إسم منقوشٌ باللونِ الذهبي .
" رُوز " ..
شهقتُ و أردفتُ بصوتيَ الذي تملأهُ الدهشة
" إنه اسمُ أمي ! "
فتحَ لي والدي الصندوقَ ليظهر عقدٌ من اللؤلؤٍ ناصعِ البياض !
كسرَ والدي حاجز الصمتِ الذي بُنيَ في ثوانٍ معدودة بقولهِ
" والدتكِ كانت تحب هذا العقد كثيراً ، إنهُ على الطرازِ الڤيكتوري الرفيع و أردتُ اليوم أن ترتديه في هذه المناسبة فهوَ يليقُ بكِ مثلها تماماً "
قبلتُ خده بإمتنانٍ و حبٍ شديدين .
رفعت شعرها و استدارتْ بظهرها ليلبسها اياه .
-------------------------------------------
" إذن يا ماثيو ، كيف ابدو ؟ "
قُلتها واقفاً أمامهُ منتظراً انبهارهُ ببذلتي السوداء باهظةِ الثمن .
نظر ماثيو نحويَ ببرود و إبتسامة متكلفةٍ قائلاً
" اوه آلبرت .. أنتَ ترتدي هذا لأجلِ الفتياتِ كالعادة .
هل أنا مُحق ؟ "
رفعتُ كتفيّ قائلاً بفخر شديد
" بالطبع يا عزيزي ، أنا لستُ مثلكَ .. أنا أستغل نفوذ العائلة كي اعيش ! "
عقَد ماثيو حاجبيه متعجباً ..
" تعيش ؟ "
أومأتُ برأسي إيجاباً ..
" لا أريد لحياتي أن تتشتت بين تجارةِ الأسلحة و المافيا منذ الآن ، أريد أن اُشبعَ حباً من كل فتاةٍ تراني ! هكذا اكون رجلاً بكل ماتعنيه الكلمة ! "
" إذَن الرجولة تكمنُ في عدد الفتياتِ حولك ؟ "
" بالطبع ، كل زعماء المافيا هكذا "
" لا أذكُر أن فتاةً قد حاولتِ التقرب مني من قبل !"
فجأةً لاحظتُ اتساعَ عينيّ ماثيو و احمرار وجهه فور إنهاء جملته هذه ..
أجبته بعد تنهيدةٍ طويلة
" أنتَ قاسٍ دوماً مع كل من حولكَ إلا الجدة نانا ، كيف تريد لأحدهم التقرب منك ؟ "
التفتَ ماثيو جانباً مستهزءاً
" هذه تفاهات ، أنا رجلٌ بدون الفتيات و سأكون أعظم زعيم مافيا في تاريخ باريس رغماً عن أنوفكم .. و إن أردتُ الحصول على فتاةٍ ما .. سأحصل عليها مهما كلفَ الأمر ثمناً "
هل هذا تهديد صريح ؟
ماثيو لن يتغير أبداً ، لا يمكنهُ أن يلزمَ طورَ شخصيةٍ واحدٍ لأكثر من عشرِ ثوانٍ .
رفعتُ إبهامي نحوهُ متحدياً ..
" دعنا نرى من سيُخلدُ في تاريخ باريس إذن يا إبن المارتينيز ! "
" سترى بأُم عينيكَ يا أبنَ فوركس المدلل "
---------------------------------------
بعد ساعاتْ ..
إرتدَت باريسُ فُستانَ المساء الساحِر ، وتزيّنت بعقدٍ من نجومِ السماءِ توسّطتهُ تميمةُ القمر .
-------------------------------------
" سفينة !! كم هذا رائع ! "
قالها آلبرت منبهراً ، حسناً ..
إن السفينة حقاً تحبسُ الأنفاس ، حسب قرائتي عنها فهيَ مصنوعةٌ حديثاً ولم تقُم برحلةٍ حتى الآن .
ويبدو أن أبي و صديقيه لم يستطيعو مقاومةَ سحرَ كونِ حفل تتويجنا يتزامن مع أول رحلة لـ " روزاليـن " فقررو حجزها كاملاً ..
و أرى الكثيرَ من البِذَل السوداء ، الحُراس يملأونَ المكان ، لا عجب ْ فأكبر زعماء المافيا هُنا .
أتسائلُ إن كان هذا الحفلُ سيمرُ بسلام ..
" اللعنة ! "
قاطع حديثي هذا صوتُ آلبرت يلفظ هذه الكلمة التي يعتبرها الجميع كأسمهِ الثاني أو ما شابه ،
نقلتُ بصري نحوه لأجدهُ متزحلقاً على الأرضية الثلجية مما أدى إلى سقوطه .
نهض آلبرت غاضباً يؤنبُ الحارسُ و كأن لهُ أي حيلة
" لمَ سفينةٌ في الثلوج ، ألم يجدر بنا إقامتها في القصرِ و كفى "
شعورٌ غريب يراودني منذ أن أتيتُ إلى هُنا ..
أحدٌ ما يُراقبنا ..
لكن أين ؟
أشعرُ بذلك .. بل أكادُ أجزِم أنه أعلى أسطُحِ أحدِ المباني .
لكن أين ؟
أغمضتُ عينيّ لأركزَ قليلاً لكن الأمر شبهُ مستحيل في وجودِ هذا الزِحام ..
---------------------------------------
من خلالِ مُكبرٍ يعلُو قمةَ بندقية قنصٍ من طرازِ
‏ Barrett M82 الرفيع .
" سيّدي ، حضر الجميع ما عدا جون وصغيرتهُ ايميلي"
كان القناص يحملُ هاتفهُ وتفوّه بتلك الكلمات بصوتٍ خافتٍ من أعلى أحدِ المباني المحيطة بالميناء محدثاً رئيسهُ ثم أغلق الخط .
- يتبع :) .
ألقاكُم في ذات الموعدِ غدًا :)

عائدةٌ إليكَ - Back To YouWhere stories live. Discover now