الفارس الأخير الجزء الأول

235 7 2
                                    

صمت قاتم يصم الآذان...

إنصات كأن لا بارحة ولا غد...

عيون متفتحة بالانبهار...

ثم تأتي كلماته تشق عباب الأنفس...

ترسم غداً أفضل لشباب متطلع مطلع بمهمة وطنية شاقة...

"ماذا إن أخبرتكم بأننا فنانون؟... أجل... فعملنا هو... فن السراب... نحيكه ونشكله ليتنكر في مظهر الحقيقة المطلقة في أعين خصومنا... حتى ينطبع في أذهانهم كالشمس في وضح النهار... واقعاً دامغاً لا غبار عليه...

فالسراب ليس سوى وجه من وجوه الحقيقة...

وربما هو الوجه الوحيد لها...

ومهمتنا ألا يرى خصمنا سوى هذا الوجه...

الوجه الذي نريده أن يراه.... وفقط..."

**********************

"هل تظن بأننا سنخرج من أوليمبوس أحياء؟" غمغم رجل بصوت أجش، تستتر بين طبقاته الغليظة نبرة مرتجفة، وقد أوقف محركات سيارته بينما لا تزال يديه تقبض بقوة على عجلة القيادة وكأنه يخشى أن تتفلت من بين يديه.

"وما دخلنا؟... فما نحن إلا رسل!" رد عليه جاره في السيارة، وكأنه يهدهد توتره هو الآخر، بينما يتأمل المشهد عبر نافذته.

كانت السيارة متوقفة أمام سور حديدي عظيم، يتوسطه بوابة ضخمة مزينة بالنقوش الذهبية المورقة، فيما يظهر القصر وكأنه معلق في الأفق لارتفاعه الشاهق فوق إحدى التبات.

ظل الرجلان على صمتهما هنيهة من الزمن يتأملان جلال القصر وطلته المهيبة عبر نافذة السيارة.

"يقولون إنه مجنون!" همس الأول قاطعاً جلسة تأملهم الواجمة، وهو يتطلع إلى وجه زميله المبهور بفخامة وضخامة القصر.

"صه يا رجل!... بل أنت المجنون لتنطق بمثل هذه الكلمات هنا!... قد يسمعنا!" همس الثاني منتفضاً، وقد اضطربت كل عضلة في جسده، لتمتعض ملامحه منقبضةً.

"يسمعنا؟... هنا؟... نحن على بعد كيلومتر من قصره!" غمغم الأول وهو يعقد حاجبيه مستعجباً.

"بلى... هنا... إنه يستطيع سماعنا ونحن في بلادنا... على بعد ملايين الكيلومترات من هنا... فكيف إذا كنا على بعد كيلومتر واحد من عرينة؟" غمغم الثاني بعصبية، وهو يجول بناظريه بين زميله والقصر.

"لِم لَم تنبهني من قبل إذن؟... على العموم كف عن الثرثرة... هيا بنا!" غمغم الأول وهو يترجل من السيارة، ثم يتوجه نحو الكرسي الخلفي لمقعده ليلتقط حقيبة عمل سوداء، فيما تبعه الثاني في وجوم يشبه ذلك الذي يسبق العاصفة.

وقف الإثنان أمام البوابة الحديدية شاهقة الإرتفاع، وقد شغلا أنفسهما بالتحديق بزخارفها المذهبة، فيما ينتظران الإذن بالدخول.

مشاهد من رجل المستحيل Where stories live. Discover now