🎯ثلاث وخمسون🎯

700 17 3
                                    

واحدة... إثنتان... ثلاثة... أربعة... خمسة... ستة... سبعة... ثمانية... تسعة... عشرة....................... واحدة وخمسون... إثنتان وخمسون... ثلاثة وخمسون... ثلاثة وخمسون... ثلاثة وخمسون... ثلاثة وخمس... ثلاثة وخمس... ثلاثة و....

"أفسحوا الطريق... إنه يحتاج إلى شقيقه الأكبر!" هتف صوت أجش بحزم في الرابضين بترقب أمام الباب الموصد للغرفة.

إلتفت الجمع إلى مصدر الصوت لتقع أعينهم على العميد حسن ذو الشارب الكث والحاجبين المنعقدين بصرامة مهيبة وقد أشار إليهم بكفه الغليظ أن يتفرقوا في التو، فما كان منهم سوى الانصياع لأوامره مذعنين.

كان العميد حسن يفسح الطريق لشاب متوسط الطول، متواضع البنية الجسدية، كسا القلق قسمات وجهه بلا استحياء، وقد فطن الحاضرون إلى الشبه الكبير بينه وبين زميلهم السابق...

زميلهم الراحل...

تناثرت همهماتهم في خلفية المشهد وهم يتفحصون الشاب من رأسه حتى أخمص قدميه كما اعتادوا كمحترفين في عملهم، دون أن يعيرهم العميد حسن أو خليله الصغير أي انتباه، ثم انتقلت أبصارهم إلى يد الفتى المرتجفة وهي تمتد بتردد إلى مقبض الباب لتفتحه.

ما أن إنفرج الباب مفتوحاً، حتى تسمر فتانا عند المشهد الذي وقعت عليه عيناه. فقد كان أحدهم يتشرنق بالغطاء متدثراً فوق السرير الذي يتوسط الغرفة، وكأنما يختبئ من العالم أجمع تحت تلك الألحفة، فيما يصدر منه أنين مرتعش، غاص له قلب الواقفين عند الباب.

"أدخل يا أحمد!" إنتزع العميد حسن الشاب الصغير من صدمته.

أومأ أحمد بطريقة ألية وهو يزدرد لعابه بتوتر، فإنسحب العميد حسن مغلقاً الباب وراءه بهدوء حذر.

قطع أحمد المسافة بين الباب والسرير في خطوتين وقد أصر التلهف الملتاع على أن يطل من عينيه بضراوة ثم جلس على حافة السرير بأناة خوفاً من أن يزيد من اختلاج الراقد المضطرب، وقد مد يده بهدوء ليكشف عن وجهه الغطاء.

"أدهم!" صرخ أحمد بجزع ما أن كشف عن وجهه المتعرق بغزارة، وشفتيه المرتجفتين.

كان مشهد أدهم كفيل بإدماء أقصي القلوب صلادة ناهيك عن أخر الأحياء قرباً له...

حيث تمرد جسده على قبضة تحكمه الصارم، لتنتفض كل ذرة فيه بلا ملجم، فيما ينسكب العرق من جلده متصبباً ليصنع بحيرات من الماء على وسادته، وقد زاغ بصره عن الحضور حتى أنه لم يعِ وجود أحدهم بالغرفة.

"أدهم... أخي... هل تسمعني؟" همس أحمد وهو يتطلع إلى وجه شقيقه أملاً في انتشاله من غياهب الهذيان.

ولكن أدهم لم يكن هنا، فقد كان عقله ينتمي لعالم أخر في تلك اللحظة، عالم لم يكن موجوداً سوى في رأسه...

أصرت غريزة أحمد الأخوية على أن تعتصر قلبه ألماً لما شهد، فهو لم يألف الوهن على شقيقه الجسور، حتى أنه تجاهل لبضع ثوانٍ حقيقة كونه طالباً في كلية الطب يستطيع أن يساعد شقيقه في مرضه.

مشاهد من رجل المستحيل Where stories live. Discover now