- الفصل العاشر

116 11 0
                                    

" أحيانًا نسهو عن بعض الأمور ، نُفـكر بـ أنانية دون الصالح العام ، نتخيل أننا علي الطريق الصحيح ، وفي لحظة صفاء تتجلي غمامة عن أفكارنا ونُدرك الحقيقة المُطلقة دون تحريف "
| بقلمي |

يجلس شاردًا بـ جانب عُقاب الذي أصر علي القيادة وأمره بـ الجلوس بـ جانبه ، مُتخليًا عن سيارته في جراج الجامعة ، ومُصرًا علي الذهاب مع كادر في سيارة سُفيان ...

بينما هو يجلس واضعًا يده تحت خده مُفكرًا ...
تُري أي محظوظ هو ؟
يوم أن قرر الانتحار ، يبعث الله لـه فتاة تتقـاسم معه شعوره ، وتتراجع عن فعلها في آخر لحظة ، ثم تعرف ما حل به وتُرسل له رسالة ...
وأخري تأتي إلي الشاطئ في مُنتصف الليل ، تُساعده وتُكلمه ، وفي النهاية يتجاهل هو ذاك ويقفز !
فيعطيه الله فرصة أُخري ، ويقفز وراءه فرقة من الغطاسين ، وفتاة مجنونة كانت تعلم بـ خطورة الوضع ومع ذلك أصرت علي القفز !
ثم بـ مساعدة بعضهم ينقذونه ...
ثم يري خديجة في حلمه ... تُسامحه وتقويه ... وتوصيه ...بـ تمارا ...
تمارا !
لقد نسيها تمامًا في خضم الاحداث الجارية !
كيف ؟ إنها وصية أختُه ! وآخر ما تبقي من رائحتها !
اعتدل في جلسـته وهو يدرك كم هو غافل ... وأناني ...
لقد فكر بـ نفسه دون غيره ..وقرر أن ينتحر ...
مُتناسيًا والديه وأخاه وتمارا ....مُتناسيًا ليلي وسُفيان ...
مُتناسيًا ... عُقاب حتي ... أخاه !

ثم اتسعت عيناه في إدراك مُفاجئ وهو يدرك إلي أي مدي جرحهم ، وخصوصًا عُقاب ...
كان عُقاب لديه أخ مات بـ تلك الطريقة ...
كيف لم يتذكر ؟ كيف جرحه بـ تلك الطريقة القاتلة ؟
إنه أحمق ومُغفل ....

_ بتفكر فـ ايه ؟

كان ذلك عُقاب الذي قال وهو عابـس ، مُجروحًا ، غير مُتخيلًا ، أنه كان في ليلة واحدة ...سيفقد أخاه ... وأخته ...

= بفكر أني محظوظ ...

_ محظوظ ؟ ازاي ؟

= كنت رايح انتحر ، فـ ربنا كرمني بـ ناس معرفهاش ، تيجي تساعدني عشان مانتحرش ، شوف كام حد ربنا بعته ....

_ وده ما يفهمكش حاجة ؟

= امم ، أن ربنا كريم أوي ...

_ وأنك مُغفل أوي ، وإني مش هسيبك تنتحر تاني يا بيه ...

= مين قال أني عايز أنتحر تاني ؟

_ ده مش قرارك يا حلو ، ده قرارانا أحنا ، أنت عايش وسط ناس ، مينفعش تحكم عليهم بالغياب ...

= أنا آسف ...

_ وآسف علي ايه ؟

= علي أني جرحتك بـ طريقة غير مباشرة فـ طريقة انتحاري ، مخدتش بالي بجد ...

علي الفور ، وضع عُقاب قناعًا ليغطي ندوبه ، ثم قال :
_ ولو أني مش فاهم ، بس مقبول أسفك ...

= عُقاب ، أنت نسيت أنا مين ؟ أنا كادر ياض ، أخوك ! مش عليا أنا الوش ده ...

_ يبدو أنك أنت الي نسيت يا كادر أنت مين ...

صمت كادر وقد أدرك أن عُقاب قد أجاد التصويب ، وراح يتذكر من كان هو ، وإلي أي مدي وصل بسبب كسرة قلبه ، وخذلان الجميع له ...
لقد نسي حتي ابنه أخته الوحيدة !
كيف ؟

لمح من علي بعد محل هدايا لـ الأطفال ، فـ لمعت بـ عيناه فكرة وهو يضم شفتيه بـ تفكير ، ثم التفت لـ عُقاب قائلًا :

= ممكن تقف ؟ عايز أجيب حاجة ...

ضحك عُقاب ساخرًا وهو يقول بـ جمود :

_ آه طبعًا ، عشان أول ما أنزل من العربية ، تنط مكاني وتاخد العربية وتجري ، العب غيرها يا حضرة الضابط ...
كان كادر يحاول فتح الباب ، لكنه التفت له عاقدًا حاجبيه ، ويبتسم بـ بطء عندما سمع لقبه القديم ...
ضربت الكلمة في أعمق أعماق روحه ، مُذكرة إياه بأمجاده السابقة ، وانتصاراته العظيمة ...
فـ اتسعت ابتسامته البطيئة ، ولمعت عيناه بـ اشتياق ...
ثم نظر لـ عُقاب مُبتسمًا قائلًا :

= متخافش ، خد المفتاح وأنزل الأول ، وافتحلي الباب كمان عشان متقولش ههرب ...

نظر له عُقاب بتدقيق ، ثم رد بـ حذر :
_ وأنت عايز تنزل ليه ؟

= هشتري هدية لـ تمارا ...

_ وايه الي فكرك بيها ، ده أنت كنت ناسينا كلنا ...

لمعت عينا كادر بـ عبث وهو يقول :

= هو أنا ماقولتكش ؟

_ ما قولتليش ايه ؟
= مش أنا فقت ...

_ لا وربنا ؟

= آه وربنـا ....

تبادلا النظر لوهلة ، ثم سحب عُقاب بـ بطء مفتاح السيارة ، وخرج وعيناه علي كادر ، ثم اتجه لبابه وفتحه ، مد يده وأخرجه وتشبث بـ ذراعه ، فـ تذمر كادر قائلًا :

= هو أنا خطيبتك ؟

_ إذا كان عاجبك !

ضغط عُقاب علي زر خاص بـ مفتاح السيارة ، فأصدرت صوتًا يوحي بـ قفلها ...
سار كلاهما حتي وصلا للمتجر ، ثم دخلا وهما يدفعان الباب ، وبعد عدة دقائق ، خرجا بأكياس تحمل ألعاب كثيرة ، واتجه عُقاب مُمسكًا بـ كادر بإحكام لظهر العربة ، وضعا الأغراض في حقيبة السيارة ، ثم أجلس عُقاب كادر وأحكم غلق الباب ، ثم اتجه لمقعده وجلس عليه مُنطلقًا بـ السيارة ...


~ في منزل السفير يعقوب الراوي ~

صاحت ناردين بـ هلع ناظرة لـ سُفيان :

_ يعني ايه سيبته ؟ سيبته يروح لوحده ليه ؟ كنت روحت معاه ...
هيعمل فـ نفسه حاجة !

رد سُفيان بـ هدوء وهو يجلس أمام حاسوبه :

= حضرتك ، جهاز التعقب شغال ، وأنا مراقبه ، متقلقيش ..

صاحت بـ نفس حالتها :

_ ما أقلقش ؟ ده ضابط يا سيادة اللواء ، ضابط ! يعني يعرف يضحك علي أي حد !

زفر سُفيان قائلًا بـ هدوء :

= يا هانم ، إذا كان هو مقدم ، فـ أنا لواء ، مش عيل صغير أنا ، متخافيش ، دقايق وهتلاقيه هنا ...

استدارت ناردين لـ يعقوب قائلة بـ عصبية :
_ يعقوب ! اتصرف ، أنا عايزة ابني !

= أنا أهو يا جماعة ، في ايه ؟

دخل كادر من البوابة ، ووراءه عُقاب ، فـ سمع والدته التي كانت تدور حول نفسها بـ عصبية ، فأردف بـ تلك الكلمات ، وهو يضع الحقائب التي معه أرضًا ، ثم سمع عُقاب يقول بـ هدوء :

_ كان معايا يا طنط ناردين ...

التفتت ناردين تهرول تجاه ولدها ، تضمه لصدرها ، وهي تغمغم بـ ما لم يسمعه ، فـ حاوطها كادر بـ ذراعيه بـ بطء ، وهو يهمس :

= أنا كويس ، متخافيش ...

نقل نظره لـ والده ، فـ وجد ملامح والده المُتشددة ، قد ارتخت بـ ارتياح ، ثم نظر له بـ نظرة يشوبها بعض الاعتذار ...
أشاح كادر بـ بصره لـ تقع عيناه علي سُفيان المُرتخي ويشرب قدحًا من القهوة ، فـ ابتسم بـ جانب ثغره ..

صدح صوت سُفيان يقول بـ تسلية :
_ ها ؟ لقيتها وشكرتها ؟ ولا ؟

اتسعت عينا كادر وهو يحدق بـ سُفيان أن يصمت ، فـ هز سُفيان كتفيه بلا اهتمام ...
أما والدته فـ ابتعدت عنه ، وهي تسأل بـ تأهب :
_ مين دي الي كان بيدور عليها ...

رد كادر وهو ينظر لـ سفيان بـ تحذير ضاغطًا علي أسنانه مُتصنعًا الضحك :
= مفيش ، ده هتلاقي سُفيان بيهزر ، مش صح يا حبيبي ؟

مازال سُفيان ينظر للشاشة ، ثم رد بـ بساطة :
_ لا ، مش بهزر يا حبيبي ، هو أنت مش قولتلي أنك رايح تدور علي ماريتا عشان تُشكرها ؟

رمشت ناردين بـ عينيها وهي تقول :

= مين ماريتا ؟

_ دي البنت الي أنقذته من البحر ، فاكراها يا هانم ؟ كنا بندور عليها ، لكن اكتشفنا أن كادر عارفها أصلًا ...

أضاء الاسم في عقل ناردين مُتذكرة الورقة التي كانت علي فراشه صباحًا ، فـ لمعت عيناها وهي تنظر لـ عبده الواقف بـ جانبها بـ مغزي ، فـ رمش بـ عينيه لها وهو يبتسم ...

في حين صاح كادر مُعاتبًا :
_ سُفيان ؟!

ارتشف سُفيان رشفة من قهوته وهو يقول بـ ابتسامة :
= نعم يا حبيبي ؟

_ في اتنين فـ آخر البيت لسه مسمعوش ، روح قلهم ...

أشار سُفيان لـ عينيه وهو يقول مُستقيمًا :
= عنيا ...

ضرب كادر قدمه بـ الأرض في تذمر وهو يقول :
_ سُفيان !

= امم ..

رمقه كادر بـ غضب ، فـ اتسعت ابتسامة سُفيان وهو يتحرك قائلًا :
_ ما علينا ، مادام كادر جه ، أنا مروح لـ مراتي أنا بقا ...

أردف عُقاب بـ شبه ابتسامة :
= خدي معاك يا سيفو ...

وضع سُفيان ذراعه علي عنق عُقاب مُمازحًا وهما يتحركان للخارج :
_ كام مرة قولتك تبطل تقول الاسم ده ، طب تعالي بقا ...

تعالت ضحكاتهما وهما يركبان السيارة ، ثم تحركا خارجين من بوابة المنزل الخارجية ....

أما في الداخل ...

_ نينة ؟ أنا مش لاقيت عروستي ...

كان الصمت سائدًا وهم يتبادلون النظر ، حتي قاطعته تمارا التي تحركت بـ اتجاه جدتها لتشكو له ضياع دُميتها ...
فـ ابتسم كادر وهو يقول :

= توتة ؟ حبيبة خالو ..

رمقته تمارا بـ جانب عينيها ثم أشاحت بـ بصرها عنه وهي تقول لـ جدتها :

_ نينة ؟ قولي لـ خالو مش يتكلم مع توتة ، عشان هي مخصماه ...
تحرك كادر جاثيًا أمامها وهو يقول :

= وتوتة مخاصمة خالو ليه ؟

عقدت تمارا ذراعيها وهي تقول بشفتين مقلوبتين :
_ خالو نسي تمارا ، وبقا مش بيلعب معاها ...

" تمارا فـ أمانتك يا كادر "

كانت جملة خديجة تدوي في عقله فـ حثته علي قول :
= خالو مش نسي توتة ، بس هو كان تعبان شوية ، وعشان يصالح توتة ، جابلها كل الألعاب دي ...

جذب الأكياس و وضعها أمامها ، فـ رمقته قائلة :
_ طب وإن توتة صالحت خالو هينساها تاني ؟

هز كادر رأسه قائلًا بوعد :
= أبدًا ... أبدًا ...

ارتخت معالم وجه الطفلة ، وتحركت مُجتازة الألعاب وهي ترمي بـ جسدها الصغير بـ أحضان خالها ، فـ تلقاها مُرحبًا بها ، وهو يضمها له مُغمضًا عينيه يشتم رائحة أمها بها ، فـ لسعت الدموع عينيه ، فـ فتحها ورفع رأسه لـلسقف مُلتقطًا نفسًا طويل، ثم قام بـ حمل تمارا ، مُشيرًا لـ عبده قائلًا :

= أنا وتمارا هنلعب شوية فـ الأوضة يا عبده ، تعالي ورايا بالألعاب ، ماشي ؟

هز عبده رأسه وعينيها تلتمع بالدموع كمخدومته التي انحنت بـ رأسها تمسح دموعها بـ أصابعها ، ثم أشارت له أن يتبعهما ...
وما أن غادر عبده ، حتي نقلت نظرها لـ زوجها الحبيب ، فـ وجدت عيناه حمراء وهو يقاوم الدمع ...

فـ ابتسمت له بـ عيناها ... فـ رد لها الابتسـامة ...

....................................

" رفقًا بالبعض ، فـ بعضهم يملكون ندبات قديمة ، يحملونها بـ صعوبة وثقل ، يحاولون تناسيها ، لأن نبشها مُدمر ، وتذكرها مُوجع "
| بقلمي |

جاثمة أمامه كـ طفل مُذنب ، تضم شفتيها بـ امتعاض ، بينما وجهها ضائع بين موجات شعرها ، بينما هو غاضب منها ، وفي نفس الوقت حزين عليها ، يريد أن يصيح بها ، ثم يخاف أن تدخل في نوبة جديدة بعدما تحسنت قليلًا ...
هل يمكن أن يقع الأنسان في حيرة بين الشيء ونقيضه ؟!
هل من المنطقي أنه يريد الصراخ عليها ثم تهدئتها كـ طفلة صغيرة ؟!
تلك الفتاة الجاثمة أمامه هي أُخته الصغيرة ، مهما أنكرت أمه وأباها ...
وتلك الفتاة الصغيرة بسبب عائلته كادت أن تنتحر لا مرة ، بل مرتين ...

الأولي كانت في السنة الماضية ، كانت أحوال الطقس حينها ليست في أحسن حال ، وخصوصًا في منطقتهم البعيدة عن المدينة ، الجو ممطر والصقيع ينخر في العظام ...
كان حينها نادر قد تراهن مع زملاءه علي فوزه في سباق لـلسيارات ، أما الخاسر سيشرب حبوبًا للهلوسة ويعود إلي منزله تحت تأثير الحبوب ... !

منتهي الجنون ، أليس كذلك ؟
لكن منذُ متي كان العقل إحدي سمات أخيه ؟
وبالفعل بدأ السباق ، وخسر نادر ....
وعاد للمنزل بـ معجزة تحت ظل هذا الجو الفظيع ....
دخل وهو يضحك بـ صوت عال ، والرؤية تتلاشي من عيناه ...
لم يكن أحد في استقباله ، فقد لجأ الجميع لـلغرف الدافئة ، فـ تحرك هو بـ ثيابه المُبللة تجاه غرفته ، وفي طريقه ، وجد سماء خارجة من المطبخ وهي تشرب كأسًا من الحليب الدافئ ...

وحينها بدأت الهلاوس تلعب بـ عقله ...

أفاق أحمد وهو ينظر لها بأسف ، صحيح أنها لم تحكي تفاصيل تهجم نادر عليها ، لكنه يعلم كم أن الأمر مُرعبًا بالنسبة لـ شخص كـ سماء ...
فـ في الليلة ذاتها ، قامت والدته بإخراج جميع مُقتنيات شمس _ والدة سماء _ التي وجدتها ، وقامت بـ حرقها في الفناء الخلفي في الحديقة ....
وفي حين أن سماء كانت تدفعه كي تنقذ حاجيات والدتها ، كان هو ينظر لـ كوثر التي كانت تنظر لـ سماء بدورها بـ تشفي وهو يشعر بـ الخيبة ... والكُره ....

وحينها أمطرت السماء تغسل دموع سماء وتطفئ حريق قلبها ، وقبلها الحريق الذي أشعلته كوثر والذي قام بأكل كل مُقتنيات والدتها ....

جثت علي رُكبتها وشعرها مُلتصق بـ وجهها ، وهي تبكي دمًا بدل الدموع علي كتلة الفحم التي تبقت ويتصاعد منها الدخان ....
ظلت تبكي ، حتي استقامت وهي تنظر للسماء الغائمة التي تُشبه عينيها في تلك اللحظة ، ثم انحنت علي معدتها تصرخ وتصرخ ، حتي ذهب صوتها ، وأصر أحمد علي إدخالها للمنزل وسط مُقاومتها الواهية ....

وبعد أن أقنعها بتبديل ملابسها وأخذ حمام دافئ ، سخن لها الحليب ثم أتته مُكالمة هامة ، فقامت هي بـ صب الحليب في الكوب وخرجت به من المطبخ ....

بينما هو وأثناء مُكالمته ، سمع صراخها العالي ، فـ هرول ناسيًا أن يغلق الخط مع عُقاب ...
دس الهاتف في جيبه ، ثم تحرك ، فوجد أخاه جاثمًا عليها ، يمسك مؤخرة رأسها وهو يشد علي شعرها ، بينما هي تدفعه بوهن وهي تصرخ ....

تسمر هو لوهلة ، لـ وهلة فقط ، ثم اندفع يجذب أخيه الذي ضحك له في عدم وعي ، ثم لكمه لكمة ، فـ وقع أرضًا ، بينما هو انحني لها يسندها كي يجعلها تقف وسط نحيبها الشديد ، وعندما تلاقت عيناها مع عينيه ، نظرت له وأعماق عينيها تصرخ مُستنجدة ، تنحدر الدموع من عينيها بينما حلقها قد تعب من البكاء والصراخ ...

وحينها جاءت أخته فـ والدها ثم في النهاية والدته ...
وأُجبر هو حينها علي الشرح ضد أخيه ....
لم يكن الأمر سهلًا ، أن يقف ضد أخيه وهو يقر بـ فعلته الشنيعة تلك ....

لكنه لم يكن يسمح بـ ضياع حق تلك الصبية ...
التي لم تأخذ من الجميع إلا ظُلمًا بينًا ...

_ أحمد ، أنا آسفة بجد ، بُص مش هعمل كده تاني ، بس متزعلش مني ....

أفاق هو للمرة الثانية علي صوتها الخافت وهي تنظر له بـ وداعة يُخالطها بعض الحُزن ...
فهز لها رأسه وهو يقول رافعًا أصبعه لها بـ تحذير :

= سماء ، متنسيش ديمًا أن أنا أخوك الكبير ، وفـ ضهرك ديمًا ...

ابتسمت سماء بـ سعادة وهي تقف لتندس بـ أحضانه وهي تغمغم في خفوت :

_ حاضر يا أبية ، مش هنسي أبدًا ...

رمقها بـ نصف عين مُتطلعًا إليها من فوق ، بينما ذراعاه تحيطانها في محبة :

= أما نشوف ....

سمع كلاهما صوت طرق الباب ، فانتفضت سماء وهي تُخفي حقيبتها وحذائها تحت السرير ، ثم تأذن للطارق بـ الدخول وهي ترتجف ....
نظر لها أحمد وهو يهمس لها أن تطمئن فـ هزت رأسها بـ توتر وهي تفرك فـ يديها ...

دلفت هند وهي تقول بـ اندفاع :

_ بُصي يا سماء ! أنا عرفت كل حاجة !

وما أن لمحت أحمد حتي صمتت مُتسعة العينين وهي تتلعثم قائلة :

_ طب تبقي أجي في وقت تاني ....

ناداها أحمد بـ صرامة قائلًا :

= خُشي يا هند ...

توترت هند وهي تقول :

_ خلاص يا أبية ، هبقي أجي تاني ...

رفع أحمد حاجبيه قائلًا في تشدد :

= خشي يا هند وأقفلي الباب وراكِ ....

دخلت هند مُرغمة ثم أغلقت الباب خلفها ثم جلست علي مقعد بـ جانب الفراش فعقد أحمد ساعديه وهو يقول :

_ ها ، عرفت ايه بقا ؟

اتسعت عينا هند وهي تقول بارتباك :

= ياه عليك يا أبية ، ده أنا كنت بهزر ...

ابتسمت سماء وهي تجد في تلك الجاثمة أمامها بعض بقايا هند القديمة ، قبل أن تطمس والدتها شخصيتها الرائعة ، لتكتب اُخري من تأليفها هي ...

شدد أحمد في كلامه قائلًا :

_ هند ! أنتِ عارفة أني محبش أكرر كلامي مرتين ....

= ما هو يا أبية ....

_ هند !

أغمضت هند عينيها تقول بـ سرعة :

= أنا شوفت سماء بتخرج برا البيت ....

شهقت سماء دون صوت وهي تنظر إلي أختها ، بينما عقد أحمد حاجبيه مُتسمرًا لوهلة ، ثم اندفع فجأة يفتح الباب ، وينظر للممر الفارغ ثم يُحكم غلق الباب جيدًا ...

ثم جلس أمام هند وهو يقول بـ تساءل :

_ قولتي لحد غيري ؟

= يعني أنت عارف ؟

_ آه ، عارف ، وأنا الي بخرجها كمان ...

= أبية ! بتخرجها من غير إذن بابا ؟!

_ كان لازم تُخرج يا هند ، أختك اتظلمت جدًا من ماما وعمي ...

= وبتخرج تعمل ايه ؟

_ بتكمل تعليمها يا هند ...

اتسعت عينا هند بـ تفاجئ ، ثم ردت بـ صدمة :

= ايه ؟

_ بتكمل تعليمها زي أي شخص راشد يا هند ، ده حقها ...

= ومحدش عارف ؟

_ كان الأول أنا وهي بس الي عارفين ، دلوقتي كمان أنت بقيتي عارفة ، ومش هتقولي لحد ، سامعاني ؟

= بس يا أبية ؟

_ هند !

= طب ...

_ أنا قولت ايه ؟

= حاضر مش تقول لحد ...

_ كويس ...

= وهنفضل ساكتين لحد امتي ؟

_ لحد ما هي تخلص كُليتها ...

= وفاضل كام سنة ؟

تحت ظِـلال الهوي Where stories live. Discover now