- الفصل السادس والعشرون

129 11 0
                                    

" لا يخدعنك الهدف الأول الذي أحرزته ، فقد أكون أنا المنتصر في الدقيقة التسعين "
| ياسمين عادل |

شحب وجهه وتجمدت أطرافه ما أن وعي بـ أنه علي شفا حفرة من الموت ، وللحظة تذكر شريط حياته كُله ، أعاده أمام عينيه ، وهو يفكر ، ماذا فعل في حياته ؟
ماذا قدم في حياته ؟
هل فعل شيء يستحق الثناء ؟ البقاء ؟ الحُب والوفاء ؟
كلا ، وألف كلا ...
لم يفعل إلا كل ما هو مظلم ...
لم يترك قانونًا إلا وخرقه ...
لم يترك كبيرة إلا واقترفها ....

لم يترك ورائه شخص يبكي عليه ، يرثيه ، وينعي حياته ...
لم يترك ورائه إلا فراغ ، سـ يملئه أحد أفراد التنظيم بعد وفاته بعدة أيام ...

وهي ...
ماريتا ...
أو ماري كما يحب أن يدعوها ...
أ ستبكي من ورائه ؟ سـ تحزن عليه ؟ سـ تعترف أخيرًا بالندم بأنها لم تدافع عن حبها ؟ بأنها تركته ؟

صوت الاطلاق كان كـ ثقب يخترق روحه ، وهو يغمض عينيه ، منتظرًا لحظة هو ليس مستعدًا لها ...
لحظة الموت ...

لكن الألم الذي توقعه لم يأتي ، وحتي لم يشعر بأي شيء ، فـ فتح عينيه ليجد عينا كادر تخترقانه بـ سخرية ، ثم أمام عينيه أخرج سلاحه ليريه بأنه فارغ من الرصاص ، ثم مال عليه يمسكه من ملامسه يهتف من بين أسنانه :
_ خد بالك بقا ، يمكن المرة الجاية يطلع السلاح مليان ، ولا ايه ؟

أسرع منذر بـ غلق السيارة حتي لا يخرج كادر رغبة منه _ منذر _ في الفتاك بذلك الشخص الذي تلاعب بـ أعصابه للتو ...
ثم رد عليه بنبرة متشفية :
_ معلش بقا ، خد بالك المرة الجاية ، مش معقول تبقي ضابط قد الدنيا ويفوتك حاجات زي دي ...

ثم انقص عليه بـ لكمة أصابت جانب فكه ، ليردها له كادر ، وتتحول المسافة الضيقة في السيارة إلي ساحة مشتعلة من القتال الضاري ، وكل منهما يضرب لا لـ ينجو ، بل لـ يؤذي !
أمسك كادر بعنق منذر وهو يقول من بين أسنانه :
_ قولي سبب واحد يخليني أعفو عن روحك ، وأسيبك ، سبب واحد !

ضربه منذر في معدته ، لينحني كادر باصقًا الدم من فمه ، ثم انقض علي منذر يضرب ، ويضرب ، تمر أمام عينيه لحظات يأسه وضعفه بسبب أفعال منذر ومن ورائه ، لحظات محاولة انتحاره ، لحظات كرهه لنفسه وهو يجد نفسه السبب في موت الكثيرين ، لحظات معرفته بـ استشهاد زملائه في فلسطين ، لحظات ولحظات ، وجد نفسه يهتف :

_ إسرائيل ؟ ملقتوش إلا ناس وسخة شغلها كله زيها تقبل تشغل معاكم ؟ وطبعًا بما أن شغلها كله قذر زيها فـ لقيتوا نفسكم هناك هـا ؟
مبسوط دلوقتي ؟ مبسوط وأنت علي دمك ناس من أهلك ؟ من وطنك ؟ أخواتك يلا ! مبسوط وأنت بتضحي بـ ناس من وطنك لناس وسخة عشان الفلوس ؟ مبسوط وأنت بقيت قاتل وسفاح وشخص معدوم الدم والضمير ؟ مبسوط لما بقيت زيهم ؟

ضربه بغل وهو يردد :
_ بسببك وبسبب الي زيك وصلنا لهنا ! خدوا أرضنا وهويتنا بالدم و الغدر وأنت رايحة تحط ايدك فـ ايدهم ؟ بسببك وبسبب الي زيك هما خدوا أول خطوة فاكرين أنهم كده هيكسبوا !

أمسك بفكه يعصره بين يديه مُكملًا :
_ عارف ليه ؟ عشان طول ما في ناس من عينتك هيبقي فيه ناس من عينتي تقف قصادك ، تحارب وتموت ولا تستسلم ، عشان هما افتكروا أنهم كده كسبوا وميعرفوش أن أحنا من هواة تسجيل الهدف في الدقيقة التسعين !
قلي كده يا منذر ، الشحنة اللي جيت عشان تسلمها هنا ، عارف حصلها ايه ؟

اتسعت عينا منذر ، وكأن الشر الظاهر في عيني كادر قد جذب انتباهه أخيرًا ، وبدأ يفكر في عاقبة فعلة كادر بالنسبة لوضعه في التنظيم ، الشحنة ضاعت !
شحنة تُقدر بالملايين تضيع !
سـ يطردونه !
سـ يعتبروه خائنًا كما فعلوا مع من سبقوه !
سـ يموت !

أكمل كادر كلامه مُبتسمًا بـ تشفي :
_ حاسس أنك خفت ، بس عشان أنا رحيم ، مش هسيبك تفكر كتير وهوريك بنفسك ...

أخرج من جيبه الهاتف ، وهو يفتح بث مباشر لما يجري في إحدي المخازن التابعة لـ منذر ، حيث تسلل بضعة ملثمين إليه ، ضربوا الرجال ، وسرعان ما وضعت القنابل في كل منطقة ، لـ يسمع منذر بعدها صوت التفجير العالي الذي يخبره بأن بضاعته تفحمت تمامًا ....
بينما وقف رجل بعينين زرقاوين وشعر عسلي ناعم ، ملثم الوجه ، يرفع يده المغطاة بـ قفاز أسود سميك لـ يشير بعلامة النصر ....

وضع كادر هاتفه في جيبه ، ثم التفت لمنذر ، طالعه لدقيقة كاملة ، ثم سمع صوت فتح السيارة من الخارج ، فـ خرج لـ يجد رجله قد حصل علي مفتاح سيارة منذر المستأجرة كما طلب منه ...
طالع منذر للمرة الأخيرة الذي ينظر إلي كل شيء بذهول ، ثم مال عليه يقول :
_ اللعب بدأ يا ابن حمد !

....................................

" المشكلة أننا نبحث عن من نشيخ معه ، لكن السر يكمن في إيجاد من يُبقيك طفلًا "
| بوكوفسكي |

_ أنا بحب بيجاد ، وبحب ماما ، بحب أحمد وهند ومش بحب نادر وكوثر ، بحب ريحان وماريتا وعقاب ومش بحب ساندي ...
بنبرة شاردة تابعت سماء وهي تقص للجالسة أمامها :
_ بحب بيجاد عشان لقيت معاه الأمان الي كان نفسي فيه من زمان ، عشان ببقي قاعدة معاه مطمنة ومرتاحة ، عشان هو الشخص الوحيد الي ماهتمش أنه يسمع الكلام المكرر من الناس عن أن علاجي من خوفي صعب ، وقرر بنفسه يخلق الممكن من المستحيل ...
أنتِ عارفة أن شجعني أني أحاول أدور علي علاج ؟ كل خطوة سليمة خدتها في حياتي كنت بفكر فيه قبلها أو بعدها ، أو كانت بسبب وجود تأثيره وتأثير كلماته ومعاملته ليّا ...
بعد ما قابلته عرفت أن زي ما في نادر في جاد ، زي ما في ساندي في ريحان وماريتا ، زي ما في بابا ، في أحمد وعقاب ، عرفت أن الدنيا فيها سبب يخليني أعيش ، وده سبب لو حضرتك تعرفيه عني أنه كبير ، من فترة كنت كتبت رسالة لواحد ، وقلتله وهو علي شفا الانتحار أن أنا معرفش أنا موجودة ليه ، ومعنديش سبب أعيش ، بس أنا اكتشفت أن عندي ، عندي حلم ماما ، ودعم صحابي ، و مساندة أحمد ، وحب جاد ...
النهاردة أنا اكتشفت حاجات كتير ، أهمهم أني عندي أسباب عشان أعيش ....

طالعتها ليلي زوجة سُفيان بتفحص من وراء نظارتها ، ثم ردت عليها تقول بحذر :
_ أخبار خوفك ايه ؟

ابتسمت سماء وهي ترد :
_ خوفي بقا شبه مش موجود ، معدتش بخاف من الأصوات العالية ، معدتش بخاف أوي من الضلمة ، صحيح في حاجات لسه ماتغلبتش عليها ، بس أنا النهاردة عندي الدافع عشان اتغلب عليها واصدها ، وأرجّع حياتي طبيعية ...

ردت عليها ليلي وهي تدون بعض الأشياء :
_ لسه بتخافي من الناس يا سماء ؟

ردت سماء :
_ مش بنفس الدرجة ، الموضوع قل شوية ، بقيت يحاول اتعامل مع الناس كتير عشان خوفي منهم يقل بس هو لسه موجود ...

ردت عليها ليلي شارحة :
_ الي مريتِ بيه يا سماء مش سهل أبدًا ، أنت كنت طفلة لما فقدت مصدر أمانك المتمثل في والدتك ، وبعدها معرفتيش إلا الخوف ، الخوف الي اتعاملتي معاه أكتر من تسع أو عشر سنين مش لازم يروح في شهر ، بالراحة علي نفسك ، وحاولي تفكري في أشخاص وأماكن قريبة لقلبك ساعة نوبة الخوف ، وصدقيني شعورك بالأمان هيطغي ، أحنا كـ بني آدميين بنخاف عادي ، بس المهم أنه ميبقاش مرضي ، بنخاف نخسر بس ده مايمنعش من التحدي ، بنخاف نفشل ، بس ده مايمنعش أننا نحاول ننجح ، فاهماني ؟ ده ساعات الخوف بيبقي الدافع لينا للنجاح ، عشان كده ، أنا هطلب منك بعض الحاجات البسيطة عشان نتغلب علي خوفك من الناس الغريبة ده ...

ناولتها ورقة ، فقرأتها سماء بـ استغراب :
_ ده علاجي ؟

هزت الطبيبة رأسها نفيًا ثم أكملت :
_ ده بداية تعافيك ..

نظرت سماء إلي الورقة ، لتجد عدة طلبات ، منها الخروج للتسوق ، ومنها الخروج للدراسة خارج المنزل ، ومنها الخروج لتناول الطعام خارجًا ، كل ذلك لم يقلقها ...
ما أقلقها حقًا ، بأن ليلي قد كتبت كلمة بلون مختلف في نهاية كل مطلب ، تكررها وتكررها ، وكأنها تصرح لها ألا تخاف منها ، كانت قد كتبت كلمة " لوحدك " في نهاية كل سطر ، لتشير إلي أنها ستكون للمرة الأولي خالية تمامًا من أي حماية قد يولدها أي من عقاب أو أحمد أو جاد ...
أنزلت الورقة ، ثم طالعت الدكتورة التي قالت :
_ أحنا لسه بنبدأ ، عشان كده بالراحة علي نفسك تمامًا ، طبعًا موعد الجلسة الجاية هتاخديه من السكرتيرة برة ، وأشوفك فيه إن شاء الله ...

استقامت سماء ، تصافحها مبتسمة ثم استأذنت منها للخروج ، أخذت الموعد من المساعدة ، لتلاقي بيجاد الذي رفع رأسه ينظر لها ما أن شعر بوجودها ، فقد كان يجلس بـ غرفة جانبية ينتظرها ، استقام يتقدم منها ، ثم سألها بـ اهتمام ما أن وصل لها :
_ أحسن ؟

ابتسمت بـ اتساع تقول :
_ أخف ...

تحركت يده لتتغلل داخل خاصتها ، وهو يشدها إليه قليلًا يقول :
_ تحبي تعملي ايه ؟
توترت بـ حياء من قربه الشديد ، فردت بتلعثم :
_ معرفش ...

طافت عيناه علي أنحاء وجهها ثم رد همسًا :
_ أنا عارف ، تعالي ...

شدها قليلًا ، حتي استطاعت أخيرًا الخروج من تأثيره الطاغي عليها لتتحرك بجانبه صامتة خجلة ، لـ يتولى هو مجري الحوار :
_ مش عاجبني فكرة أني آخر واحد يعرف الي بيحصلك يا سما ، المفروض أكون أنا الي فصل بينك وبين والدك مش أحمد ، والمفروض أنا الي تيجي تقعدي عنده مش عقاب ، والمفروض أن أنا الي أساعدك مش كادر ، والمفروض أن أنا الي أسأل عليك واهتم بيك مش أحمد !

ارتبكت من نبرته التي طغي عليها التملك والحمية ، فـ حاولت تغيير الموضوع تقول بـ مشاغبة :
_ دي غيرة ؟

صدمها بقوله حين نظر في عينيها مباشرة :
_ طبعًا ، لو مش هغير عليكِ ، هغير علي مين ... ؟

أشاحت بوجهها تنظر أمامها ، ثم تذمرت قائلة بصوت خفيض :
_ علي فكرة أنت بقيت بتقول كلام محرج ، ومش بعرف أرد عليك ...

ضحك ما أن سمعها ، فـ شعرت بـ ابتسامة خائنة تداعب طرف ثغرها ، مما جعلها تنطلق قائلة :
_ أنت عارف ، حاجة مؤثرة أوي بالنسبالي أني أعرف أن عندي ناس كتير بتحبني ، عندي سند حتي ولو ماكانش من أهلي ، عندي حد الجأله ، اشتكيله ، أبقي عارفة أن ورايا ضهر ، دي حاجة كبيرة أوي لبنت اعتدت أنها لوحدها ، أنها ديمًا وحيدة ، وأنها ملهاش حد ...

طالعها بملامح غريبة وهو يقول :
_ مانكرش أني مضايق أنهم مشتركين معايا في حاجة تخصك ، بس طالما أنتِ محتاجة حاجة زي كده ، معنديش مانع ، بس بحدود ...

تقلص وجهه فجأة يقول بـ حدة :
_ يعني مالقيش أستاذ عقاب ماشي يحضنك ، لا هو ولا كادر ولا أحمد ، ولا يمسكوا ايديك ، ولا تضحكي معاهم بصوت عال ، ولا تخرجي معاهم لوحدهم ، ولا تقوليلهم سر قبل ما تقوليلي ، ولا ....

قاطعته تقول ضاحكة :
_ معلش بس ، أمال فاضل ايه عشان أعمله معاهم ؟

رد عليها بضيق :
_ وتعملي معاهم ليه ، ما أنا موجود ...

ردت بضحكة غير مستوعبة :
_ أنت لسه قايل أنه عادي اتعامل معاهم ...

نظر أمامه يقول بـ ضيق وعصبية :
_ رجعت في كلامي ...

ضحكت غير مصدقة لملامح الطفل التي تعتليه ، ثم ردت مترفعة تغيظه :
_ علي فكرة أنت ملكش كلام عليا ، يعني أنا استرونج ومان ، وأعمل الي نفسي فيه ...

نظر لها بطرف عينيه ، ثم قال لها :
_ لا ، أحنا ماتفقناش علي كده ، عايزة شخصية مستقلة ، ماشي ، عايزة تبقي قوية ، وملك قرارك ، ماشي ، عايزة تعتمدي علي نفسك ، ماشي بردو ، لكن تقوليلي متدخلش فيا ، هنزعل مع بعض ، آه ، أنا أدخل ، وأدخل ، ومن غير إذن كمان ...

رفعت حاجبيها وهي تقول بـ غيظ :
_ هي عافية !

رد عليها بـ برود :
_ آه ، وبحبك علي فكرة ...

لم تستوعب ما قاله للوهلة الأولي ، بل ظنته يشتمها ، فردت بحدة غير مقصودة :
_ اهو أنت !

رفع حاجبه بعدم فهم لما قالته ، بينما استوعبت هي ما قاله وما قالته هي ، ف وضعت يدها علي ثغرها تنظر له بدهشة وعدم استيعاب ، لدقيقة كاملة صمتت تتبادل معه النظر ، ثم تكلمت أخيرًا تقول بصوت طفولي ذاهل :
_ ممكن نعمل إعادة ؟

ابتسم وهو يستوعب ذهولها ، ثم رد بـ إغاظة :
_ لا ...

أمسكت بكفه تشده كـ طفلة تبتغي الحلوى وهي تقول :
_ عشان خاطري ، معلش ...

أرجع شعرها الذي تساقط من عقدته المستديرة خلف عنقها ، خلف أذنها ، ثم أنزل كفه يحتوي كفها وهو يشدها معه مُبتسمًا دون كلام ، مما جعلها تعقد حاجبيها في غيظ ، اتجه إلي محل مثلجات وهو يطلب لها النوع الذي تحبه ، وطلب له مثلها ، ثم اتجه لطاولة مستديرة ، أجلسها وجلس ، ثم استرخي في مقعده قائلًا :
_ كنا بنقول ايه بقا ؟

ردت عليه مبتسمة بولة :
_ كنت بتقول أنك بتحبني ...

تصنع التذكر وهو يقول :
_ قولت كده فعلًا ؟ لا مش فاكر ...

اشتدت عقدة حاجبيها وهي تقول بغيظ :
_ أنت هتقول ولا أفتحلك دماغك أكتر ما هي مفتوحة ...؟

رد بـ استفزاز :
_ حب بالإكراه ده ؟ ولا ايه ؟

ثم تابع يقول بعدما مال عليها يلتقط كفها يتلاعب به علي الطاولة :
_ وبعدين ههون عليك تفتحيلي دماغي أكتر من كده ؟

لمعت عينيها بالندم ، وهاجمها الشعور بالذنب وهي تقول :
_ هي لسه بتوجعك ؟ أنا آسفة ، ازاي تخرج بيها علطول ، وتسوق كمان وأنت تعبان ...؟

رد عليها بـ تروي :
_ أنا كويس علي فكرة ، و مفيش أي حاجة ، خرجت بيها ليه ؟ مش بحب قعدة المستشفيات ، وصراحة مش عايز نتكلم في الحوار ده ، عشان اتخانقت معاهم في البيت بما فيه الكفاية عقبال ما رضيوا يسبوني اعمل الي أنا عايزه ، وبعدين ملكيش ذنب ، هو راجل مش كويس ، وهجم عليك ، وأنا اتعاملت خلاص ...

ردت عليه بتنهيدة :
_ ياريتك ما اتعاملت وسبتني ، زمانك مش متعور دلوقتي ...

رد عليها برفعة حاجب بينما الضيق يكاد تكسو وجهه :
_ ياريتني ايه ؟ ليه ؟ هو أنت شايفاني سوسن ؟

هزت رأسها نفيًا ، فرد :
_ يبقي خلاص ، الي حصل حصل ، وبعد كده لما تحبي تخرجي لوحدك كلميني ، وحتي لو مش فاضي افضالك ، بس لوحدك لأ ...

ردت عليه بعدم فهم :
_ ليه هو أنا صغيرة ؟

ابتسم ناظرًا لوجهها واختفي ضيقه فورًا، وهو يريد الإجابة أنها بالفعل صغيرة ، صغيرته هو ، لكنه رد بدلًا عن ذلك :
_ مش حكاية صغيرة ، بس أنت متعرفيش الشوارع هنا كويس ، ممكن تتوهي ، لكن أنا أعرف ....

ابتسمت له متفهمة ، فـ رد عليها مؤكدًا :
_ كده اتفقنا ؟ مش هتخرجي لوحدك من غير ما تقوليلي ، ومش هتتكلمي مع حد من الشباب غيري ، ومش هتخبي عني حاجة ، ديل ؟

ضيقت عينيها تقول :
_ ليه حاسة بـ شوية تحكم في الحوار ؟

رد عليها مبتسمًا :
_ عشان أنا فعلًا متحكم ، ومتملك ، وغيور ، وكل حاجة تبع الراجل الشرقي الي معظم البنات مش بتحبها ...

ردت بـ استنكار :
_ أكيد مش كلها مش بنحبها ، بس الأفورة فيها بتضايق ..

رد عليها بينما أصابعه مازلت تتلاعب بـ أصابعها الصغيرة البيضاء :
_ وأنا يا ستي ، همشي الأمور وسط ، بس تسمعي الكلام ، عشان أنا ببقي غبي لما بتعصب ...

أومأت برأسها ، فـ قطع حديثهما النادل الذي آتي يضع الطلبات أمامهما ، فمدت يدها تتذوق المثلجات بعدما فكتها من خاصته ثم قالت بـ ابتسامة واسعة :
_ عرفت منين أني بحب البرتقال ؟

رد عليها بـ اختصار بينما عينيه تجريان علي وجهها ، وسعادتها الظاهرة بكوب من المثلجات تلمس قلبه :
_ لاحظت ...

لعقت المثلجات وهي ترجع بظهرها للوراء بضحكة سعيدة ، وهي تتأمل حولها ، بينما يتأملها هو ، ثم ردت عليه بينما قدماها يدبدبان في الأرض :
_ يعني أنت بتحبني ؟

أصدر همهمة بسيطة أثناء تناوله كوبه ، فـ أسندت وجنتها إلي يدها وهي تتابع :
_ وأنا بحبك ... ؟

توقفت يده عن تحرك المعلقة في الكوب ، وهو يرفع وجهها لها ، بينما لم تخطئ هي في ملاحظة لمعان غابات عينيه بشدة ، بينما ابتسامته الكسول تتسع تدريجيًا لـ تشمل وجهه ، وهو يقول :
_ ما اظنش أني هسمع جملة في حياتي أحسن من كده ...

احمّرت وجنتيها ، ثم أشاحت برأسها وهي تتذمر قائلة :
_ رجع يقول كلام محرج ...

آلمه فكه من كثرة الابتسام ، لكنه لم يأبه وهو
يطالعها ويتفحص وجهها ، بينما هي تذكرت فجأة شيئًا قديمًا ، فقالت :
_ فاكر لما ساندي اعتذرتلي هي ومايا ؟

همهم بـ إيجاب ناظرًا لها ، فـ تابعت :
_ أنت الي كنت مرتب ساعتها أن جزاتهم تبقي في ايدي ؟

تصنع بالانشغال وامتنع عن الرد فـ تابعت هي بـ إصرار :
_ شوفت الراجل وهو بيبصلك كذا مرة ، وأنت بتشاورله ، ماتنكرش ...

لم يرد أيضًا ، فـ لم تيأس وهي تذكره مصرة علي المعرفة :
_ مش أنت قلت مش هنخبي حاجة عن بعض ؟

أصدر صوت من حلقه دليلًا للإيجاب ، فـ تخصرت قائلة :
_ التزم بكلامك !

كانت ترتدي بلوزة قصيرة باللون الأصفر ذات غطاء رأس بينما ارتدت فوقها جاكت أبيض من خامة الجينز طويل يقيها من البرد ، لكنه لم يغطي علي قصر البلوزة من الأمام ، فـ ما أن تخصرت حتي ارتفعت عن خصرها لتظهر بطنها ، فـ تجهم وجهه ، وهو يقول بحدة :
_ أنا مش قلتلك قبل كده ماتلبسيش زفت قصير تاني ؟

ارتبكت من نبرته الحادة ، و سرعان ما ردت مبررة :
_ نسيت ...

استقام من مكانه ناظرًا حوله ، فوجد بالفعل شابين يجلسان بالقرب منهما ، فـ تقلصت ملامح وجهه بضيق محاولًا السيطرة علي غضبه ، توجه لها بـ عصبية ظاهرة علي وجهه ، أغلق أزرار السترة ، وأشار لها أن تنتظره لدقيقة ، ثم توجه ناحية الكاشير ، دفع ثمن ما آكلاه ، وأخذ كوبه البلاستيكي ، وأخذت خاصتها ، فـ أمسك يدها وخرج بها من المحل ، فـ سارعت تقول :
_ بيجاد والله آسفة ، نسيت بجد ، مش هعمل كده تاني ...

لم يأتيها الرد ، فـ ذمت شفتيها بـ حزن ، ثم استوعبت أنها يتجه بها إلي محل ملابس ، فقالت سريعًا :
_ ملوش لزوم ، مش أنت قفلت الجاكيت ؟

لم يرد أيضًا ، فـ ضمت شفتيها بضيق ، دلف إلي المتجر ، واتجه بها إلي ركن السترات الواسعة الطويلة ذات غطاء الرأس والتي تشبه ما يرتديه هو بخلاف الحجم ، اختار واحدة لها باللون الزيتوني مثله ، وأعطاها لها ، ثم قال :
_ خشي البسيه ...

همست بـ اعتراض :
_ جاد !

رد عليها أخيرًا :
_ بلاش دلوقتي يا سما ، أنا متعصب منك جامد ...
أطرقت برأسها وهي تستسلم أخيرًا ، وتتجه لـ تفعل ما أراد ، فـ أوقفها يقول همسًا بعدما مال عليها :
_ ماتخلعيش إلا الجاكيت ، البسيه فوق السويت الأصفر ...

ردت بـ استغراب :
_ ليه ؟

لم يرد عليها وهو يقول :
_ اسمعي الكلام دلوقتي !

نفخت بضيق وهي تدبدب في الأرض راحلة ، فـ ابتسم أخيرًا ، وهو يستند إلي ما وراءه ينتظرها ، عدة دقائق وخرجت أمامه ، فأرضاه ما رأي ، لم يكن يظهر منها شبر واحد ، فأومأ برأسه لها لـ تأتي ، واتجه بها ليدفع الثمن ، وخرج ، وما أن خرج حتي انفجرت أخيرًا تقول :
_ مش بحب كده علي فكرة ، رد عليا !

قاطعها يقول :
_ اسألي وأنا أجاوبك في أي وقت ، إلا وأنا متضايق يا سما ، عشان ماقولش حاجة تزعل حد أنا بلتزم الصمت ...

تذمرت قائلة :
_ ما هو أنا مقصدش أضايقك ، أنا نسيت ...

رد والضيق يعلو وجهه مجددًا :
_ خلاص يا سماء ، المرة الجاية الي أشوفك لابسة فيها واحدة من دول أنا هدمرهالك !

ردت مصدومة منه :
_ جاد !

رد بضيق :
_ مش كنتِ عايزة أتكلم ، أديني اتكلمت ، أكيد زعلتي ! بس أنا مش بهزر ، أي سويت شيرت زي ده ميتلبسش ! لا في البيت ، ولا براه ...

عادت تتذمر مجددًا قائلة :
_ مش ممكن بجد !

رد عليها بـ برود :
_ لا ممكن عادي ...

ردت عليه بنفس النبرة :
_ ماتتكلمش معايا كده ...

تحت ظِـلال الهوي Where stories live. Discover now