- الفصل الثاني عشر

107 10 3
                                    

" يختصر البعض بـ تصرفاتهم طول المسافات أحيانًا "
| بقلمي |

مُدققة في أوراق بـ يديها بـ اهتمام بالغ ، بينما " عبده " بجانبها يُنظم بعض الأشياء بناءً علي أوامرها ، بينما تجلس أميرتها الصغيرة " تمارا " بجانب ألعابها تلهو بـ ابتهاج ....

_ امم ، سنها تلاتة وعشرين ، درست فـ هارفارد ، هايل ، قمورة ، امم ، هو ستايل لبسها فظيع حبتين تلاتة أربعة ، بس بـ إعادة تهيئة بسيطة الأمور تتصلح ....

وضعت يدها علي ذقنها وهي تناظر صور ماريتا بـ شعرها الطويل ، وبعد قصه ثم أردفت تأخذ رأي عبده :

_ ايه رأيك في الشعر ، أظنه مش بطال ؟

نظر عبده لـ شعرها القصير وابتسامتها الباردة ، بعكس الصورة التي تبتسم فيها بـ ابتهاج وعيناها تلمعان بينما شعرها الغزير ينساب حول وجهها ...
ثم أردف قائلًا :

= هو أنا حاسس أن المُشكلة مش فـ الشعر ، حاسس أن المُشكلة فيها هي ، البنت دي نظرتها مليانة وجع ...
قارني كده بين الصورتين ؟ الفترة الزمنية بينهم غيّرت حياتها مش شكلها بس ...
البنت دي اتوجعت زي ما اتوجع كادر بيه بالضبط ... ويمكن أكتر كمان ...
نفس النظرة ، نفس التغيير ، نفس الوجع ....

نظرت ناردين له بـ تفكير وهي تُردف :
_ بس كادر مقصش شعره !

ابتسم عبده بـ منطقية مُردفًا :
= تنكري سيادتك أنه غيّر شكله ؟ ربّي لحيته ، قصّر شعره بعد ما كان أطول بشكل ملحوظ ...
قارني كده بين الهيئتين ؟ هتلاقيكي بتبصي لصورة الهانم دي بردو وكأنها مرايا ....وجهين لـ عملة واحدة ...
عملة التغيير بفعل الوجع يا هانم ....
فين كادر بيه المنطلق الرزين من الشخصية المتهورة دي ؟
فين البنت الي عينيها بتلمع وسط الوجع ده كُله ؟

كانت ناردين تستمع إليه بـ انتباه ، ثم أردفت وهي ترفع إصبعا له تؤيد علي كلامه :
_ أنتَ صح ، فعلًا ...

= أنا طول عمري صح ...

ابتسمت ناردين وهي تطرق بـ رأسها بـ تفكير ، ثم أردفت وهي تنظر له :

_ طب هنعمل ايه ؟

= مش عارف ...

_ عبده ! مش عوايدك يعني ! فين التفكير الجُهنمي ؟

= طب اركني التفكير الجُهنمي علي جنب ، وخلينا نفكر بـ منطقية ...، دلوقتي واحد ساعد واحدة ، فهي ساعدته فـ المُقابل فـ راحلها وشكرها ....

ثم صمت ، فـ حثته ناردين قائلة :

_ كمل ، سكت ليه ؟

هز كتفيه مُبررًا :

= لأن دي فعلًا نهاية الحكاية ، ايـه الي ممكن يحصل بعد كده ، مفيش ! نقطة !

ضغطت ناردين علي أسنانها بـ غيظ مُردفة :
_ النقطة مش هتتحط إلا لما أحطها بـ نفسي ! سامع !

نظر لها وهو يتساءل :
= يعني هنعمل ايـه ؟

_ لازم ندّخل أحنا بقا ...

= ازاي ؟

ظلت تنظر حولها بـ تفكير ، حتي أردفت بـ بطء :
_ دلوقتي الجمايل اتردت خلاص ، فـ لازم نخلق مواقف تانية جديدة تتطلب المقابلات وتبادل الكلام لازم نخلق جمايل جديدة !

نظر لها بـ ارتياب :
= وازاي بقا كده ؟

_ مش عارفة ....

ثم صمتت لوهلة ثم قالت :
= بس هعـرف ....

ساد الصمت لـ عدة دقائق ، ثم لمعت بـ ذهن ناردين فكرة جُهنمية ، فردت مبهورة :
_ عرفت !

= ايـه الموضوع ؟

_ سيبك من الموضوع وانتبه ....

= معاكِ يا هانم ...

_ سوزي هانم صحبتي مجمعة ناس من صحابي القدام وهنتقابل في النادي ، ليه مايكونش من ضمنهم بنت السفير عامر ؟ أنا كنت أعرف والدتها ، صحيح كانت معرفة سطحية ، بس بردو اسمها معرفة ...

رد عليها بـ امتعاض :
=وهل ده من نوع المُقابلات الي بتقعدوا تجيبوا فـ سيرة الناس كُلها فيها ، وكل واحدة تبقي قاعدة متشيكة ولابسة ومستنية لواحدة هفوة عشان تحرجها ؟

_ آه هي ...

= ايـه الي فكرك بيها يا هانم ، مش كُنا توبنا ؟

_ ما أنا مش هروح أغتاب الناس معاهم ، أنا هاخد كادر وهعزم ماريتا ، وبعدين هي لسه مكلماني امبارح ...

= وده ازاي ده ...

_ مليني كده رقم جولتان هانم ، جدة ماريتا الي عندك في الورق ده ؟ وسيب الباقي عليا ...

= صدق الي قال إن كيدهن عظيم ...

.....................................

" في كُل مرة كـنتُ أمدُّ يدي لألتقط كـتابًا ، كنتُ أعـرف أنِّي سـ أكتـشفُ سـطرًا مُخـتبئًا يـطل من دُفتي الكـتاب ، سـطـرًا كان ينتـظرني من قـرون ! "
| ألبرتو مانغويل |

تجلس علي فراشها تُمسك الرواية التي كانت تقرأ بها أول يوم لها في الجامعة ، وكادت تُسقِط حامل الكُتب وهي تضعها عليه ، الابتسامة مُرتسمة علي وجهها وعينيها تنتقل بين السطور بـ شغف ، الرواية رائعة ومليئة بـ الأحداث المُشوقة ، ترتيب الأحداث بها منطقي وأسلوب السرد قد أعجبها ، وزاد من ثقافتها ومُفردات كلماتها عن اللغة التُركية ...
أحبت الأمر جدًا ....

" شخص مثله ليس في حاجة إلي المال ، ولم يكن يحتاج إلي كلام لا يؤمن ولا يُغني من جوع ، لا يُحب الشعارات المُرفوعة علي أساس خاطئ ، ولا يحب التصنع والتظاهر ...
يحب اقتران الكلام بـ تنفيذه ...
كان في حاجة إلي الدفء ، كان في حاجة إلي الصُحبة ، كان في حاجة إلي الحُب ...
كان يحتاج تربيت علي الكتف عندما يُهزم ، وعناق حار عندما ينتصر ، كان يحتاج إلي التغطية أثناء برودة الليل عندما ينحسر الغطاء عن جسده ، كان يحتاج إلي كوب من القهوة أثناء عمله بيد صنعتها بـ نكهة الحُب ...
كان يحتاج الكثير ، ولكنهم كـ العادة أعطوه كل ما لم يحتاجه يومًا ...."
ضمّت شفتيها بـ تأثر وهي مُستمرة بـ القراءة ، الرواية لم تكن حزينة ، ولكنها مليئة بالمُعاناة في الحياة والاختبارات ، ومراحل البحث عن الذات ، تحكي عن طفلين توءم انفصل والداهما ، فأخذ كل منهم طفل لـ يربيه بـ نفسه ...
وسافر كل منهما لبلدة مُختلفة عن الآخر ....
فـ لم يذق الطفل الماكث مع الأم معني سند الأب ومزاحه ومُداعبته ...
ولم يذق الطفل الماكث مع الأب معني الحنان والدفء والسلوان ...
نشأ كل منهما ناقصًا ، حتي قابلا شريكتا حياتهما ، واللتان يظهر في منتصف الأحداث أنهما أختان !
ويجتمع الأخوة بعد فراق سنين تحت سقف واحد ...
إحدي الأختين ذات شخصية جامحة ، فـ جاء في ذهنها صورة ماريتا علي الفور ...
بينما الأُخري هي عبارة عن طفـلة عابثة ... تصرفاتها تنتج عن فكاهة وروح جميلة ، فـ تنطلق ضحكاتها عند كل مشهد لها ...
أكملت قراءتها ...

" شخص مثله كان وحيدًا منبوذًا ، لم يكن لديه أصدقاء ، ولم يعتبر الصداقة شيئًا مهمًا في حياته ....
لكنه لم يكن جبانًا ، ولم يخذل نفسه قط ...
لم يتهاون في حقه ... ورفض الرضوخ لكل من أراد إهانته يومًا ....
كان لديه مبدأ ثابت يتماشى مع شخصه كثيرًا " إن كانت حربًا فـ كان بها "
فـ إذا أراد أحدهم إهانته ، رد له الإهانة ....
وإذا حاول أحدهم ضربه ، لقنه درسًا لا ينساه أبدًا ....
أما إذا حاول أحدهم أكل حقه ، فـ إنه يعطيه درسًا جميلًا عن العدالة "



أجفلت شاهقة مسحوبة من العالم الذي سقطت به عندما تقرأ ، عندما فتح الباب بـ قوة مُصطدمًا بالحائط ، فـ رفعت هي الغطاء تلقائيًا حتي ذقنها بـ خوف وهلـع ....
هلع ازداد عندما وجدت نادر يدلف إلي الغُرفة بينما ابتسامة ثُعبانية ترتسم علي وجهه ، فـ سرت في جسدها قشعريرة اشمئزاز ...
بينما عاودتها مشاعر الغضب مرة أُخري والتي شعرت بها أمام كوثر ، فـ تركت الغطاء واستقامت لـ تقف أمامه بعدما كانت نصف مستلقية علي سريرها ....

اقترب منها نادر فـ تدفق النفور خلال أوردتها ، بينما بان الكره في عينيها الجميلتين ، اقترب منها نادر خطوة ، ثم خطوة أخري ، فـ لاح في ذهنها ما فعله سابقًا بها ...
فـ سري الهلع بداخلها ، وهي تتراجع عدة خطوات ...
بينما هو مستمر بالتقدم ... خطوة بعد خطوة ...
وهي تكاد تبكي خوفًا عندما علمت أنه يحاصرها ...
فهددته بالشيء الوحيد المُتبقي لها كاسرة الصمت الذي تعمده لـ يخيفها :
_ ابعد عني ، وإلا هصوت !

= صوتي ...

رد عليها بـ ابتسامة كاشفًا أسنانه في تشفي ، وهو يتقدم منها بـ تروي بينما يبتسم علي وجهه غموض افتعله كي يُرعبها ...

_ أبية هيضربك !

= أحمد مش هنا ...

اتسعت عيناها هلعًا ، وهي تتعثر ، فـ سقطت بعض الألعاب الصغيرة في الأرض ثم اعتدلت لـ تتراجع قائلة :

_ هنده علي أي حد هنا ينجدني منك !

= سماء ، سماء ، سماء ، مين هنا في البيت هيجري عليك لو صوتي ؟ ماما ؟ طبعًا لا ، هند ؟ امم ، لا..
وخدي عندك دي كمان ، عمي محمد مش موجود ، ولو أني أشك أنه لو موجود هينجدك أصلًا !
لمعت في عينيها الدموع وهي تبتلع غصة حارقة ، بينما زادت برودة أطرافها وهي تصطدم بالحائط خلفها ، فـ علمت أنه أجاد مُحاصرتها ، حاولت تغيير مسارها لأي جهة أُخري ، ولكن أفكارها كانت مكشوفة ، فـ قد سد عليها كل الطرق المفتوحة ، وأشرف عليها من فوقها ....
ثم مد يده لـيُلامس وجهها ، فـ ابتعدت بـ وجهها بـ سرعة وهي تدفعه ، فـ تراجع خطوة واحدة وعاد ضاحكًا مُستمتعًا ، رفع يده مُجددًا كي يُلامس وجهها ، فـ دفعت يده بـ خوف وكره ...

كان مُستمتعًا لأقصي درجة وهو يُناظر الخوف الكامن في عينيها ، ارتجاف جسدها ، هلعها الواضح ....
تلك الأشياء تُعزز من غروره الذكوري ، تجعله في حالة نشوة لا تُصدق ....
لم يكن سيفعل شيئًا لها علي أي حال ...
بل كان سيكتفي بـ مُراقبتها ...
مراقبة هلعها وخوفها هذا يُمتعه ...
صحيح أنه بناءً علي تعليمات والدته ، ولكنه ممتع ... ممتع بشكل مريض !
فـ منذ صغره وسماء بالنسبة له شيء ممنوع ...
بناءً علي تعليمات والدها الصارمة ، وتحذيراته القاطعة ، فـ علي الرغم من قسوته الظاهرة ، لابد من أنه يكن لها بعض مشاعر الأبوة كي تجعله يهدده بتحذير إذا اقترب منها ....
وكان تهديده بـ الحرف هو أنه إذا أراد أن يظل مُدللًا مُرفهًا فـ ليبتعد عن ابنته ....
إذا أراد أن يعيش حياة هنيئة سخية ، لـ يكون بعيدًا بالقدر الكافي والمطلوب عن سماء ....
وقد لبي ذلك _ ظاهريًا _ فـ قد ابتعد عنها تمامًا ... ولكنه بعد جسدي ، وليس نفسي ....
وتلك كانت تعليمات والدته ....
ففي حين أن عمه محمد أمره بالابتعاد عنها ، أمرته كوثر بأن يُدمرها نفسيًا ...
حتي تكون شخصًا يوضح علي الهامش دومًا ، لا قيمة له ، ويسهل السيطرة عليه ...

إلا مرة واحدة ، كان بغير وعيه ، وبالفعل كاد يؤذيها جسديًا ...
إلا أن قدوم أحمد أنقذها ...
وبعدها عاقبه أباها عقابًا شديدًا ...
منع عنه المال ، وأرسله لـ يعمل في إحدي المناطق الجبلية ....
وحتي عندما عاد ، رفض إعطائه المال ، وهدد بـ حبسه لـ مدة طويلة ...
لكن كانت تلك سذاجة منه ، فـ والدته كانت تُعطيه مال بشكل سرّي ...
كما أن تلك المنطقة الجبلية التي تم إرساله لها كي يعمل بها ، اتصلت والدته ببعض المعارف هناك وحلّت الأمر ...
فـ إذا اتصل والدها ، يخبرونه أنه يعمل ....
وإذا سأل عنه ، يخبرونه بـ مدي تفانيه وإتقانه لـ عمله ....
بينما هو يحظى بـ إجازة علي " الساحل " أو في " السُخنة " .

ظل هذا الأمر طويلًا حتي تدّخلت والدته كي تضغط علي عمه محمد بـ طُرقها الخاصة ، وتسترضيه حتي يعفو عنه ...
وبالفعل رضح عمه في النهاية ، وقبل اعتذاره _ المُزيف _ فـعاد عمه لـ يعامله بـ صدر رحب مرة أُخري ....

بداخله تقع نقطة أسف صغيرة بسبب ما فعله لها ، فـ هو علي سبيل المثال لا يقبل أن يفعل أحدهم هذا مع شقيقته الصُغري هند ....
لكنه يعود و يسحق هذا التعاطف مع كلمات والدته التي كانت تُخبره دومًا بـ ضرورة الأنتقام منها ....
فـ بسبب والدة تلك الصغيرة _ شمس _ عاشت أمه تتلوي من ألم الحُب ....
فـ بحسب روايتها ، أنها كانت تُحب عمه محمد قبل زواجها من والده ، ولكن والدها _ جده _ رفضه ....
فـ حارب محمد طويلًا حتي يتزوجها ....
وفي تلك الأثناء ، ظهرت شمس ، التي التفت وطاردت محمد حتي ترك كوثر وتزوجها هي ....
وتركها تتلوي من ألم حُبه ....
وبعد ذلك أرغمها والدها _ جده _ علي زواجها من والده هو ....
وتزوجته ، وعاشت معه وهي مُحبة لآخر ...
وباتت تتلوي من عذاب الضمير أيضًا من عدم قدرتها علي منح زوجها الحبيب _ والده _ الإخلاص الذي يستحقه ....

وتمر السنين ....
و يتوفى والدهُ ....
فـ يأتيها محمد نادمًا علي ما اقترفه في حقها ، فـ تعفو هي عنه بـ لهفة حُب قديمة ، ويتزوجها علي شمس _ والدة سماء _ ، وكان ذلك أكبر عقاب لها ، أن يتزوج زوجها عليها ...

أما كوثر ، فـ أصبحت تتلوي من نار غيرتها علي محمد ، فـ قد أوضح لها منذ البداية أنه لن يستطيع تطليق شمس بسبب ابنته ...
وتركها تتألم من نار حبها وتملكها له ، و هي تري أنه أُخرى تشاركها به ...
حتي وفاة والدة سماء ....
حينها باتت كوثر الوحيدة في حياة محمد ، وكم كان هذا أروع تعويض لها من القدر ....

تحت ظِـلال الهوي Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin